الفصل الثالث الدولة الاسلامية في الواقع المعاصر تاریخ ثبت : 2012/02/22
طبقه بندي : ,99,
عنوان : الفصل الثالث الدولة الاسلامية في الواقع المعاصر
آدرس فایل PDF : <#f:86/>
مولف : <#f:89/>
نوبت چاپ : <#f:90/>
متن :

|121|

الفصل الثالث الدولة الاسلامية في الواقع المعاصر




الدولة العالمية عطاء لا اعباء

اتضح من خلال الفصل الاول ان الدولة العالمية تتكون من بداية توحيدية
اخلاقية و نهاية جغرافية، و اتضح ايضاً ان النهاية الجغرافية المتمثلة بسلطان
سياسي يشمل المجتمعات البشرية الاخرى لاتعبر عن عنصر اصيل في هذه الدولة،
و انما هي بمثابة النتيجة التى تسير الدولة العالمية باتجاه تحقيقها على نحو الافراز
الطبيعي المقصود، فهي افراز طبيعي للتفاعلات الايجابية الناتجة عن البداية
الاخلاقية التوحيدية التي تعمل كنواة في الدولة العالمية، و هي في الوقت نفسه
افراز مقصود باعتبار ان الدولة العالمية تسعى لتوسيع سلطانها السياسي، و هي
مكلفة بذلك، و ليس بوسعها ان تنتظر حصوله من تلقاء نفسه و من دون مبادرة و
استهداف مبرمج و مدروس، غاية الامر انه افراز مقصود بوسائل سياسية و ثقافية
غير عدوانية، تنسجم مع النواة الاخلاقية التوحيدية للدولة العالمية، و ليس هو
مطلوباً على كل حال، فبإمكان الدولة العالمية ان توجد و تحيا بلا اتساع، و لكن
ليس بإمكانها ان توجد و تحيا بلانواة توحيدية اخلاقية.


جدلية العقيدة و المنفعة

و فكرة الدولة العالمية هذه قد تثير في الاذهان استفهاماً كبيراً يتصل بجدواها و
اهميتها في حياة الانسان، و طبيعة العطاء المتوخى منها، و الثمار المرتجاة من


|122|

اقامتها، و قد يتطور هذا الاستفهام و يصل حد الاعتقاد بأن الدولة العالمية تؤدي الى
تحميل الاقليم الذي تقيم فيه تكاليف باهضة لصالح الأقاليم الاخرى، سياسياً و
اقتصادياً و عسكرياً، و قد يرقى درجة اكبر فيصل حد الاعتقاد بأن الدولة العالمية
فكرة خيالية لاتقبل التجسيد، و هذا ما يستدعي عقد بحث خاص لمعالجة هذا
الجانب بنحو مفصل، و الحقيقة ان الافكار و المبادى‏ء و النظريات تقاس
بثلاثةمقاييس:

1. مقياس الحقانية

2. مقياس الجداوئية و النفعية

3. مقياس الامكان العملي

ففي المرحلة الاولى يتم اثبات صحة النظرية بالمقياس العقلي و الفلسفي
التجريدي و بغض النظر عن الناحية الانسانية، و في المرحلة الثانية تقاس النظرية
بالمقياس الانساني على اساس ما تقدمه من العطاء لحياة الانسان، و ما تقدمه من
حلول لمشاكله، و في المرحلة الثالثة تقاس بالمقياس العملي على اساس ما تحضى
به من صفة واقعية و امكان عملي.

و لدى التأمل الدقيق يتضح لنا ان الناحية العقلية تقتضي التلازم بين هذه
المراحل و المقاييس، فإن الفكرة إذا ثبتت حقانيتها على الصعيد النظري ثبوتاً تامّاً و
أكيداً لزم من ذلك كونها فكرة ذات قيمة انسانية، و ذات عطاء و جدوى في حياة
الانسان، سوى اننا نجهل حقيقة هذه القيمة فنحتاج الى بيانات تفصيلية مباشرة، اما
الناحية العملية فأمرها ثانوي يعود الى الواقع القائم و ليس الى اصل النظرية،
فالدعوة الى الفضيلة و العفّة في مجتمع غارق في الفحشاء و المنكر قد تعتبر دعوة
غير عملية و غير مثمرة، و لكن ذلك لايقلل من حسن الدعوة و لا من قبح الواقع،
كما لايعني رفع يد المسؤولية تجاهه، بل اننا نعيد النظر في مفهوم ما هو عملي و ما
هو غير عملي، فالذي اعتبر هذه الدعوة غير عملية انما نظر الى المسألة من زاوية


|123|

عمره المحدود، و امكاناته المحدودة، و هذه نظرة غير واقعية انتجت حكماً غير
واقعي، و النظرة الواقعية تقتضي النظر الى قبح الواقع و حسن النظرية و قدرتها على
معالجته فقط، فاذا تم التاكد من ذلك انتقلنا الى برمجة العملية التغيرية دون لحاظ
العامل الزمني و عمر الافراد المغيّرين، و ما إذا كانت الثمرة ستظهر في جيلهم أم في
الجيل الثاني أم الثالث؟ فالحق يجب ان يُعمل به وان مضت على ذلك اجيال و
اجيال حتى ينصاع الواقع لارادة الحق.

و هكذا فالمقاييس الثلاثة ترجع الى مقياس واحد هو الحق، فإن الحق بحد ذاته
يمتلك قيمة ذاتية متأصلة فيه، و بالتالي فالثمرة الانسانية منحصرة فيه دون غيره،
فلا حق بلا ثمرة و لاثمرة بلا حق، و لذا فالفلسفة البرجماتية التي تقيس الافكار
بالمنافع صحيحة لو كانت تحسن تقدير المنافع، و اللَّه سبحانه و تعالى ما بعث
الانبياء، و ما انزل الشرائع الا لأجل ايصال الانسان الى المنافع الحقيقية التامّة و
اعانته على الوصول إليها بعزم قوي و إيمان راسخ و لو كان الانسان بمفرده قادراً
على تشخيص المنافع الحقيقية و تمييزها عن المنافع الكاذبة، و التمتع بعزمٍ كاف
على جلب المنافع الحقيقة و عدم الخضوع لاغراءات المنافع الكاذبة، لما سرق
السارق وزنى الزاني و اعتدى المعتدي، فانما يسرق السارق لأجل مصلحة تصور
حصولها بعمله هذا، و يستسلم الطالب لاغراءات الراحة و النوم و يرجحها اثناء
فترة التحصيل العلمي على الدراسة بسبب ضعف عزيمته على المنافع البعيدة و
انحصار همته بالمنافع القريبة الصغيرة، و لو كانت الفلسفة البرجماتية في نفسها
صحيحة لكان عمل السارق المتمكن من استغفال القانون و النجاح بخطئه عملاً
حسناً، و حينما تدعو الدولة القائمة على مثل هذه الفلسفة مواطنيها الى التقييد
بالقانون فانما تقع في تناقض فاضح، فإن القانون يحمي المصالح النوعية التي قد
تكون متعارضة مع مصالح بعض الافراد، واذا كانت المنفعة هي الاساس الوحيد
المشروع لتحرك الانسان، فإن تطبيق القانون على الافراد المتضررين به سوف


|124|

يكون بلا اساس مقبول، بل سيكون خرج هؤلاء على القانون مستنداً الى اساس
فلسفي صحيح، و هذا يعني ان القانون قد الزم نفسه بسقوط نفسه.

قد يقال في جواب هذا الاشكال: ان سقوط القانون سوف يكون اشد ضرراً على
هؤلاء من تقيدهم به، و حينئذ سيكون خروجهم عليه منافٍ لمصلحتهم، غير ان هذا
جواب صوري لا حقيقي، فإن المنفعة إذا كانت هي الاساس فإن هؤلاء سيقومون
بأجراء موازنة بين الضرر المترتب على تقيدهم بالقانون و الضرر المترتب على
خروجهم عليه، و سيأخذون حينئذ بالخيار الاقل ضرراً بالنسبة لهم، و كلما كان
هربهم من القانون اكثر نفعاً و اقل ضرراً من تقيدهم به سوف يكون ذلك السلوك
مستنداً الى اساس فلسفي صحيح، و سيعني ذلك ان القانون قد الزم نفسه بسقوط
نفسه في مثل هذه الحالة.

و هذا يعني بوضوح ان النظام الاجتماعي لايمكن ان يقام على اساس نفعي
مادي، و لابد من اقامته على اساس قيمي، و ذلك هو الذي نعبر عنه بالحق، و هو
الذي نتخذه مقياساً للحكم بالصحة او عدم الصحة على النظريات و المذاهب
الاجتماعية المختلفة.

إن المقياس للشي‏ء لابد وان يكون اسمى منه، كما هي الاستعانة بالمسطرة في
رسم الخطوط، و قد رأينا ان المنفعة تضيق بمصالح بعض الافراد و هذا ما يجعلها
فاقدة للصفة القياسية بالنسبة الى النظام الاجتماعي، و كما ان الظرف لابد و ان
يكون اوسع من المظروف كذلك المقياس للشي‏ء لابد وان يكون اوسع و اسمى منه.

ان المنفعة مقياس مادي، و لو كانت الحياة الاجتماعية مادية فقط لما صلحت
المنفعة في ان تكون مقياساً لها، لأنها سوف لاتكون اسمى منها، فكيف تكون
مقياساً لها و هي مركبة من نواحٍ مادية و معنوية معاً؟، ان الحقيقة المادية و المعنوية
المركبة للحياة الاجتماعية تستلزم مقياساً اسمى منها، و هو المقياس المعنوي
المشتق من قيم مطلقة لاتشوبها ناحية مادية، و هو المعبر عنه بالحقانية، فأيهما


|125|

اقرب للواقع و انسب لشأن الانسان ان يقاس بمقياس اوطأ منه، او يقاس بما هو
اعلى منه؟ ان يقاس بمقياس اضيق منه‏ام بمقياس اوسع منه؟

و ذلك هو مقياس الحقانية الذي يعني ان هناك حقيقة كونية اجتماعية لابد من
اكتشافها و بناء الحياة عليها، و ما يعبر عنه بالعقيدة انما هو اعتقاد بهذه الحقيقة، و ما
يتفرع عليها من رؤية كونية و فلسفة اجتماعية، و هذا امر مركوز في اعماق كل
انسان، و حتى المنكر له ليس بوسعه التجرد عنه، و انما ينكره في لسانه و يجري
عليه في سلوكه، فأولئك الذين ينظرون الى الانسان من زاوية اللذة و المنفعة و
يعتبرونه مخلوقاً يبحث عن لذائذه و منافعه قبل ان يبحث عن افكاره و عقائده، انما
يعبّرون بنحو من الانحاء عن وجهة نظر يعتبرونها هي الحقيقة الكونية و الاجتماعية
الصحيحة، و ان النظام الاجتماعي الصحيح هو النظام الذي يقوم على اساس منها،
ففكرتهم هذه لاتشكل نقضاً على دور العقيدة الحقّة في الحياة، و انما تشكل
تكريساً له و تأكيداً عليه، سوى ان هؤلاء يمثلون وجهة نظر سطحية عن المنفعة و
العقيدة و اللذّة، بينما يمثل انصار العقيدة و جهة نظر عميقة عن هذه المعاني الثلاثة،
فإن الباحث عن العقيدة انما هو باحث عن الحقيقة التي تمثل سرّ الوجود و الحياة و
التي يتمكن من خلالها من ادراك اكمل و اتم لمنافعه و مصالحه، فما لم‏يكتشف ذلك
السر كيف يتاح للانسان استيفاء منافعه و مصالحه و لذائذه الحقيقية؟ فالمنفعة
لاتنفك عن العقيدة، و العقيدة لاتنفك عن المنفعة، و كلاهما لاينفكان عن الحقيقة، و
هذا التلازم بين المعاني الثلاثة ليس بوسع انصار اللذة و المنفعة التنكر له، و
اتجاههم هذا يؤكد ذلك بنحو مركوز و مستبطن.

و اذا القينا نظرة فاحصة على العقيدة الاسلامية وجدناها مزيجاً من هذه المعاني
الثلاثة، فالحقيقة الكبرى هي اللَّه سبحانه و تعالى، و العقيدة قد بنيت عليها في
اصولها الخمسة، و هي الطريق الوحيد امام الانسان لبلوغ منافعه و مصالحه و لذائذه
و سعادته بالمعنى الحقيقي التام لها، و لذا نجد القرآن الكريم تارة يحث الانسان


|126|

على البحث عن الحقيقة الكبرى للوجود مخاطباً بذلك عقله و ادراكه، و تارة اخرى
يخاطبه حسيّاً و نفعياً و مصلحياً مبيناً له ان مصلحته و منفعته الحقيقية منحصرة
بالدين و اتباع الاسلام، مثال الاول قوله تعالى (افلم يسيروا في الارض فتكون لهم
قلوب يعقلون بها)
[1] و مثال الثاني (و من اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) [2]
و قوله تعالى (و ما أرسلناك الا رحمة للعالمين) [3]، و هذا يعكس التلازم بين الحقيقة
و العقيدة و المنفعة.

و من الطبيعي ان تُعطى الاولوية لعنصريّ الحقيقة و العقيدة، و يعتبر عنصر
المنفعة متأخر رتبة عنهما، و ان كانت العناصر الثلاثة متلازمة و موجودة معاً في آن
واحد، فالعقيدة التي كشفت عن الحقيقة هي الاساس في الوصول الى المنفعة، و
لولاها لاندفع الانسان وراء كل منفعة ظاهرية قريبة و اهمل السعي وراء المنافع
الحقيقية، كما يندفع الطالب في اثناء فترة التحصيل وراء الراحة و يسترخي امام لذة
النوم و يهمل منفعته الحقيقة المصيرية المتمثلة باحراز الرتبة العلمية المنشودة.

و هذه الاولوية موجودة في الاسلام و في كل نظرة كونية اجتماعية اخرى،
سوى أنهافي الاسلام تعتبر حالة ملحوظة، و في النظرة النفعية البرجماتية
غيرملحوظة لعدم وجود فاصلة بين هذه النظرة و بين المنافع التي تنشدها، بينما
توجد بين النظرة الإسلامية و بين المنافع التي تنشدها فاصلة ملحوظة، كالمنافع
الاخروية و المعنوية و المستقبلية، و المنافع المرتبطة بالنظام الاجتماعي العام، و
الفرق بينهما يوضحه مثال الشاب الذي تبيح له النظرة النفعية ارتكاب الرذيلة و
تصورها نفعاً له، و بين النظرة الاسلامية التي تحبّذ له العفّة و الانتظار لحين التمكّن
من الزواج، فكلتا النظرتين تؤمنان بأولوية الفكرة على المنفعة المنشودة بها، سوى


(1). الحج / 46.

(2). طه / 124.

(3). الانبياء / 107.


|127|

ان هذه الاولوية ملحوظة في النظرة الاسلامية أكثر، لأنها تنشد منفعة اجتماعية
اخلاقية تدرك بالعقل اكثر مما تدرك بالحس، بينما هي غيرملحوظة في النظرة
النفعية لعدم وجود فاصلة بينها و بين المنفعة التي تنشدها، و هي اللذة نفسها بالنسبة
الى هذا الشاب، و كلما كانت الفاصلة اكبر كان التأكيد على عنصر العقيدة اكبر،
فالشعب المستعمَر يحتاج الى تاكيد اكبر على فكرة الاستقلال و التحرر كلما كانت
مُنيته بعيدة التحقق اكثر، و الانسان الخائف من مصيره الاخروي يحتاج الى التاكيد
على الايمان بالمعاد بنحو اقوى و اكبر من تأكيده على امر قريب، و بنحو عام
يحتاج الانسان الى تاكيد اكبر على الفكرة و العقيدة كلما مدّ يده الى منفعة ابعد.

و هذا هو الفرق بين القومية و العالمية، انه الفرق بين امر حسّي قريب و امر
عقلي يبدو بعيد المنفعة و الصلة، و الانسان يميل بطبعه الى اقامة الامر الحسّي
القريب دونما حاجة الى عناية و تكلّف و حث و توجيه، انما هو بحاجة الى من
يقيمه على الامر العقلي و يحثّه نحوه و يركزّه في شخصيته.

و بأمكاننا ان ننظر الى جدلية العقيدة و المنفعة من زاوية علم الاخلاق، فمن
المقرر في هذا العلم ان للفضيلة رتبتان، رتبة مكارم الاخلاق و رتبة محاسن
الاخلاق، الاولى هي رتبة من يؤمن بالفضيلة و يطبقها لما للفضيلة من قيمة ذاتية
لاتنفك عنها فهو يؤمن بالصدق و يعمل به لأجل ما ينطوي عليه من قيمة ذاتية، و
الثانية رتبة من يؤمن بالفضيلة و يطبقها لما لها من مردود ايجابي عليه، فهو صادق
لأن الصدق يوجد له سمعة حسنة بين الناس و يكسبه ثقتهم، فكلما احتاج الى هذه
السمعة سلك سبيل الصدق، و كلما استغنى عنها فقد الصدق عنده قيمته و معناه، و
لانحتاج الى مزيد من الروّية كي نقرّر بأن ماهية الاخلاق و حقيقتها تنسجم مع
الرتبة الاولى، بل تنحصر فيها، لأن الرتبة الثانية تتقوّم بجوهر مادي نفعي لاينسجم
مع حقيقة الاخلاق و جوهرها، و عندما يُدعى الى حاكمية الاخلاق في الحياة
فالمقصود بها رتبة مكارم الاخلاق.


|128|

و ليس هناك من يستطيع ان يدّعي بأن الاخلاق مغايرة لمصالح الانسان و
منافعه، بل هي الاطار السليم لتحقق هذه المصالح و المنافع، و هذا هو ذات المعنى
الذي عبّرنا عنه بأولوية العقيدة على المنفعة، و كلا التعبيرين يفيدان ان مقياس
المنفعة لابد و ان يكون اسمى منها، و لئن كانت المنفعة امراً مادياً فلابد و ان يكون
مقياسها امراً معنوياً هو الحقانية بالنظرة العقائدية، او مكارم الاخلاق بالنظرة
الاخلاقية، او المثل العليا بالنظرة الفلسفية.


الدولة العالمية في مقياس المثل العليا

و في ضوء هذه النتيجة نلاحظ ان اطروحة الدولة العالمية لاتقاس بمقياس نفعي
مادي، شأنها في ذلك شأن كل اطروحة قيمية، و كما لايصح لنا ان ننظر إلى الصوم
-مثلاً- من زاوية منافعه الصحية و الاجتماعية على الفرد و المجتمع، بل يجب علينا
ان ننظر اليه من زاوية التعبّد و المعنى السماوي له، كذلك لايصح لنا ان ننظر الى
الدولة العالمية من زاوية ما تقدمه من عطاء، لأن هذه النظرة تؤدي الى اسقاط
المعنى القيمي لهذه الاطروحة كما تؤدي الى اسقاط المعنى المساوي التعبدي
للصوم، و اذا سقط المعنى القيمي و تركز المعنى النفعي كان ذلك بمثابة البداية
للتحول نحو القومية القائمة على اساس واسع من الانانية، انما تقاس الدولة العالمية
بمقدار ما تتمتع به من الحقانية و الاساس العقائدي التجريدي المتين، فاذا ثبت لها
ذلك الاساس وجب السعي لأقامتها على من ادرك فوائدها و من لم‏يدرك فوائدها،
و عليهما معاً تكييف الواقع في ضوء مقولات هذه الدولة مهما كانت الفاصلة كبيرة
بين هذا الواقع و هذه الدولة.

و هذه من الناحية الايدولوجية العقائدية لاتعني مصادرة حق الانسان في تفهّم
حياته و منافعه و مصالحه، فبأمكان الانسان ان يبحث عن المعنى النفعي الدنيوي
للصوم -مثلاً- و لكن على اساس ان يتخذ هذا المعنى قنطرة للتحول الى المعنى


|129|

السماوي الاساسي لهذه الفريضة، بحيث يؤدي الصوم على اساس المعنى السماوي
التعبدي لاالمعنى النفعي الارضي.

و هذا المثال جارٍ بعينه في مسألة الدولة العالمية، فأن حقانية هذه الاطروحة و
ما تتمتع به من اساس اخلاقي و عقائدي متين ينعكس بنحو حتمي على الساحة
الاجتماعية بصورة عطاء وافر للإنسان و الحياة، و ليس هناك من يريد مصادرة حق
الانسان في ان‏يدرك الوجه الانساني لهذه الاطروحة، و انما الامر الاكيد هو ان
لايتجمد الانسان عند الوجه الانساني النفعي لها، و انما يتخذه قنطرة للإيمان بها بما
تمثله من قيم مطلقة و مثل عليا كانت الاساس في ظهور الوجه الانساني النفعي
بحيث لو لم‏يكن هذا الاساس ما كان للدولة العالمية عطاء على الساحة الانسانية.
بل ما كانت هناك دولة عالمية.

و من هذا المنطلق نحاول في هذا البحث استكشاف الوجه الانساني للدولة
العالمية و طبيعة العطاء الذي تقدمه لحياة الانسان. و لابد لنا في هذا المجال من
ان‏ندرس المسألة على مستويين:

1. المستوى الانساني العام

2. المستوى الخاص بالعالم الاسلامي

و فيما يلي بيان لجوانب من عطاءات الدولة العالمية على كلا المستويين.

تعداد نمایش : 3440 <<بازگشت
آموزش

سامانه آموزش

پژوهش

سامانه پژوهش

کتابخانه

کتابخانه دیجیتال

نشریه

فصلنامه حکومت اسلامی