ثانياً. العطاء الخاص بمجتمعات العالم الاسلامى تاریخ ثبت : 2012/02/22
طبقه بندي : ,99,
عنوان : ثانياً. العطاء الخاص بمجتمعات العالم الاسلامى
آدرس فایل PDF : <#f:86/>
مولف : <#f:89/>
نوبت چاپ : <#f:90/>
متن :

|147|

ثانياً. العطاء الخاص بمجتمعات العالم الاسلامى




ثانياً. العطاء الخاص بمجتمعات العالم الاسلامى

و يكسب العالم الاسلامي من أطروحة الدولة العالمية عطاءات خاصة تنفعه فيما
يعيشه من مشكلات و ظروف و ملابسات اضافة لتلك التي تقدمها هذه الاطروحة
على الصعيد الانساني العام.


|148|

حل مشكلة ازدواجية الحضارة

قبل عصر الاستعمار عاش العالم الاسلامي منسجماً مع نفسه واثقاً من عقيدته لا
يعاني ازمة بينه و بين ذاته . صحيح ان مظاهر الانحراف عن الاسلام كانت تسود
حياته لكن الساحة كانت تخلو من فكرة منافسة للإسلام و كان المسلم واثقاً من ان
الصواب يتمثل في دينه فقط و كان يرى نفسه مذنباً عندما يبتعد عنه. حتى جاءت
موجة التغريب التي اوجدت امام المسلم فكرة بديلة عن الاسلام مهدت لها
بحملات التشكيك و اثارة الشبهات حول مصداقية الاسلام و قدرته على توجيه
الحياة الحاضرة، و لأسباب عديده لا مجال لذكرها الآن نجحت موجة التغريب الى
حد ما في اظهار الغرب كنموذج بديل عن الاسلام و اثارة الشكوك و الشبهات في
ذهنية الفرد المسلم فيما يخص دينه و عقيدته . و كانت القومية احدى المفردات
التي آمن بها في اطار تأثره بالبديل الغربي.

ان هذا البديل يُقيَّم تارة بما هو اسس و مفاهيم جديدة للحياة. و اخرى بما هو
تجربة يراد اقامتها في مجتمع مسلم له مُثله و قيمه و مفاهيمه المتعاكسة مع هذا
البديل، و الذي يهمنا الآن الدراسة من النوع الثاني. فبغض النظر عن تقييمنا
الموضوعي لمفاهيم الغرب و افكاره في الحياة نجدان عملية نقل هذه المفاهيم و
الأفكار الى مجتمع مسلم يؤمن بقيم و مُثل و مفاهيم كونية و اجتماعية مخالفة و
محاولة تطبيقها فيه تنطوي على مخاطرة كبيرة بالنسبة الى البناء الاجتماعي و
النفسي و الثقافي للفرد و المجتمع، فإن الاسلام و برغم الظروف و الملابسات
التأريخية و الاجتماعية و السياسية يبقى قوة روحية و اجتماعية و ثقافية خالدة و
مؤثرة في حياة الفرد المسلم. و تبقى القيم الاسلامية مسيطرة على احاسيسه و
مشاعره و عواطفه . و يبقى المسلم ينظر الى الاسلام على انه الاساس في حياته
الاجتماعية و الثقافية . و في ضوء هذه الحقيقة نجد ان عملية التغريب من شأنها


|149|

ايجاد قوة معاكسة تعمل على ضرب القوة الاسلامية في المجتمع، و اذا ما فرضت
هذه العملية بالوسائل السياسية و الاعلامية و العسكرية و القانونية فإنها ستؤدي الى
اختلال التوازن في الحياة النفسية و الثقافية و الاجتماعية و ستظهر نخب تؤيد
التغريب و اخرى تؤيد الاسلام. و ثالثة تحاول المزج بينهما، و على مستوى العامة
من الناس يؤدي ذلك الى اختلال الرؤى و المفاهيم و ظهور السلوك المزدوج الذي
يميل نظرياً الى قيم الاسلام و يطبق عملياً مفاهيم الغرب في حالة شديدة من
الاضطراب النفسي و الفكري . و من الطبيعي ان هذه المظاهر تسبب ضعفاً في
حيوية الامة و اختزالاً لطاقاتها. و تفقد عملية البناء الاجتماعي زخمها و فاعليتها
لأنها ستتوزع بين اتجاهين متعاكسين و ستكون محصلة القوى منهما صفراً، بل إن
عملية مزج الاسلام مع الغرب في تجربة واحدة أشبه بعملية مزج السكر و الملح
في محلول واحد، فإن حصيلة هذا المزج ستكون فاقدة لخواص السكر و الملح معاً
و حاوية لخواص جديدة مجّة تعافها الاذواق السليمة، و قد أدّت عملية تغريب
المسلمين الى ايجاد شخصية من هذا القبيل لا تحمل مواصفات الاسلام و لا
مواصفات الغرب، و التغريب مهما استمر لا يتوقع منه ان يؤدي الى حذف الاسلام و
انتاج شخصية غربية، بل وجدنا في نهاية القرن العشرين عودة المسلمين الى
الاسلام و اشتداد هذا الدين في واقعهم.

و القومية تمثل احد اركان عملية التغريب، و هي تلعب دورها السلبي الاساسي
في هذا الاطار.

و هنا يأتي البعد العالمي في الدولة الاسلامية لينقذ المجتمع الاسلامي المعاصر
من آفة ازدواج الحضارة في المحور القومي ثقافياً و سياسياً و اجتماعياً، و في هذا
المضمار يقول الدكتور كليم صديقي:

«ان العالم الاسلامي مجزء الى قوميات و كل قومية قد أنشأت لها دولة خاصة


|150|

بها على غرار الدول الاوروبية» «ان هذه كلها هي دول قومية من نتاج الحضارة
الغربية في فترة سيطرتها الفعلية على العالم الاسلامي، ان اهداف هذه الدول القومية
و بنيتها و انماط سلوكها هي تلك التي تسود اوروبا...ان القومية الاقليمية هي بعينها
نقيض الاسلام».[1]

و يقول ايضاً:

«ان علينا ان نعد طلبتنا و اجيالنا القادمة للوقت الذي سيشهد نهاية الدول
القومية، ان علينا ان نتطلع بأبصارنا الى نهاية القومية»[2] و يقول أيضاً:

«ان على اساتذه العلوم السياسية المسلمين ان يضعوا مجموعة من الكتب التي
تثبت ان الدولة القومية لا تستطيع ان تحل اياً من المشكلات التي تواجهها
الامةالاسلامية».[3]


حل مشكلة التمزق القومي

بعد سقوط الدولة العثمانية انقسم المسلمون الى قوميات متعددة و ظهر شعار
الوحدة القومية بدلاً عن شعار الوحدة الاسلامية. و يومها اشاع القوميون ان القومية
تمثل اطاراً و حدوياً افضل من الدين. بحجة ان الدين يقسم المجتمع الواحد الى
مسلمين و مسيحيين ثم يقسم هؤلاء وهؤلاء الى مذاهب متعددة. و هي مغالطة
واضحة لأن الاسلام يضم دائرة بشرية و جغرافية اوسع بمرات و مرات من الدائرة
التي تشتمل عليها اي قومية من قوميات المسلمين. و التعدد المذهبي يمكن التغلب
عليه بوسائل متعددة خاصة و انه لم يصبح سبباً للإنقسام و الصراع الا في ظل
ظروف تأريخية و سياسية طارئة. و في اكثر المجتمعات الاسلامية يشكل اهل
الكتاب اقلية ضئيلة و ليس من المعقول تعطيل الوحدة الاسلامية و الاسلام في


(1). الحركة الاسلامية قضايا و أهداف/ص‏48.

(2). المصدر نفسه/ ص‏49.

(3). المصدر نفسه/ ص‏53.


|151|

المجتمع الاسلامي من اجل تلك الأقلية.

ان المشكلة التي تسببت بها القومية لا تتمثل في تفتت القوة الاسلامية و
انقسامها الى عدة قوميات فحسب. بل انهاتتمثل ايضاً في ان البلدان الاسلامية يقطن
اكثرها قوميات متعددة، ففي العراق يوجد عرب و كرد و تركمان، و في ايران تعيش
ست قوميات رئيسية . و ينقسم شمال افريقيا بين العرب و البربر، و في تركيا يعيش
الاكراد الى جنب الترك. و هكذا مما اوجد في كل بلد من هذه البلدان مشكلة
قومية. اذ ان الاقليات القومية اخذت تنظر الى الحكم المركزي على انه صورة من
صور الحكم الامبراطوري. و هل لحكم القومية العربية على بلد يتشكل من ثلاث
قوميات، أو حكم القومية الفارسية - ايام الشاه - في بلد يتشكل من ست قوميات
معنى غير ذلك؟

الامر الذي دفع بظهور اطار و حدوي جديد هو الاطار الوطني، لكنه كان في
الحقيقة اضافة جديدة لعوامل الانقسام و التمزق. فأضافة الى ان حصيلة
الانقسامات اصبحت تتكون من ضرب عدد القوميات بعدد الاوطان فإن الفرد تحير
في الجهة التي تستحق الولاء منه الوطن‏ام القومية ؟ كما تسبب ذلك في عشرات
المشاكل الاقليمية بين المسلمين.

و في واقع كهذا يأتي البعد العالمي من الدولة الاسلامية ليحل المشكلة القومية
في العالم الاسلامي من الجذور، فهذه الدولة قائمة على اساس عقائدي، و الولاء
فيها للإسلام و ليس للقومية.


حل مشكلة التبعية للغرب

التبعية واقع مرير و حالة مَرَضية تنشأ من عاملين. اختلال ميزان القوى بين
التابع و المتبوع بحيث يكون التابع اضعف و المتبوع اقوى فتنشأ علاقة التبعية
بسبب ذلك. كما تنشأ بسبب فكرة تدعو التابع الى التبعية و تسيّره نحوها. و هذان
العاملان قائمان في القومية. فقد تبين مما سبق انهاتسبب اختزالاً في طاقات


|152|

المجتمع . و هدراً لإمكانياته و هو ما يؤدي الى ضعف الامه امام الاستعمار، و هذا
هو العامل الاول للتبعية، كما ان القومية بما هي مفردة من مفردات التغريب تشكل
دعوة الى التبعية للغرب، فإن التغريب ليس له الا معنى واحداً هو ان يقتفي
المسلمون اثر الغرب و يتابعوا خطواته الحضارية، و هذا هو العامل الثاني
للتبعية،لقد كانت القومية وسيلة الغرب لإسقاط الخلافة العثمانية و انهاء وحدة
المسلمين و اثارة الاقتتال فيما بينهم و حرفهم عن خط الاسلام و ارساء قواعد
السيطرة عليهم، و هي منشأ المصائب التي عانى منها المسلمون في القرن العشرين
و في مقدمتها القضية الفلسطينية. و لا يمكننا ان ننتظر غير ذلك من حركة تقوم
على‏اساس فكرة غربية و تنشأ في احضان المؤسسات الاستعمارية و تعمل في
ظل‏الاحتلال و الهيمنة الغربية، ماذا يمكننا ان ننتظر من حركة قومية يؤسسها
لورنس القائل:

«لقد كنت اؤمن بالفكرة العربية القومية ايماناً عميقاً و كنت واثقاً قبل ان احضر
الى الحجاز انهاهي الفكرة التي ستمزق تركيا شذر مذر»[1] و يقول ايضاً:

«كان في نيتي ان اشكل امة جديدة و ان اقدم الى عشرين مليوناً من الساميين
الاسس التي يبنون عليها احلامهم الهوائية في توجهاتهم القومية، ان كل و لايات
الامبراطورية العثمانية لا تعدل عندي موت انكليزي واحد».[2]

و ماذا ننتظر من وحدة عربية يدعو لها انتوني ايدن - وزير خارجية بريطانيا عام
1941 - الذي قامت على اساس دعوته الجامعة العربية؟

و البعد العالمي في الدولة الاسلامية يقدّم حلًّا جذرياً لمشكلة التبعية، لأنه يعيد
المجتمع الى اصالته الاسلامية من جهة و يمنحه شعوراً كافياً بالثقة بالنفس من
خلال الاحساس بدعم العالم الاسلامي له من جهة ثانية.


(1). الفكر القومي/ص‏91.

(2). المصدر السابق/238.


|153|

حل مشكلة الهوية الضائعة

ان الخطأ الفادح الذي وقع فيه قوميوا العالم الثالث انهم تقدموا الى الاستعمار
بطلب ان يشيّد لهم قومياتهم، و كان من الطبيعي ان لا يحصلوا على شي‏ء، لا لأن
الاستعمار لا يريد لهم ذلك فحسب بل لأن الذات لا يمكن بناؤها بواسطة الغير. و
صدق اقبال في مخاطبته القوميين المسلمين حينما قال:

في قديم الدهر كنتم امة لهف نفسي كيف صرتم امما
كل من اهمل ذاتيته‏ فهو اولى الناس طرّاً بالقضا

و لهذا السبب - ضياع الشعور القومي الحقيقي - و السبب السابق - التبعية -
اخفقت القوميات في العالم الثالث في الحصول على قيادات مخلصة و نزيهة و
انجرفت بإستمرار وراء قيادات عميلة و خائنة. من هنا نتساءل و بمقياس القومية
نفسة اليس عبد الحميد الثاني الذي رفض محاولات هرتزل لفتح الطريق الى
فلسطين مقابل 22 مليون ليرة انجليزية و بناء اسطول كامل للدفاع عن الدولة العلية
و عقد قرض بمبلغ 100 مليون فرنك تصرف في سبيل التسليح في وقت كانت
الدولة العثمانية في احرج الظروف الاقتصادية، اليس هذا السلطان التركي المسلم
مع كل ما فيه من قصور و تقصير افضل في مقياس العروبة والقومية العربية من
أدعياء العروبة الذين ساقوا بلدانهم ذليلة الى الغرب و ساهموا في ضياع فلسطين
بدلاً من ان يساهموا في تحريرها؟

اليس الامام الخميني(ره) افضل للعزّة الايرانية و العربية من ادعيائهما القوميين؟

اليس الميرزا محمد تقي الشيرازي قائد ثورة العشرين في العراق و هو فارسي
ايراني أفضل و انفع للعروبة من الملك فيصل و ابيه قائد الثورة العربية الشريف


(1). فلسفة اقبال / 109.


|154|

حسين؟ أليس الحجة الشيخ مهدي الخالصي - و هو عربي عراقي - الذي اعترض
على النفوذ الاجنبي في ايران ايام نفيه فيها افضل الى القومية الفارسية و الوطنية
الايرانية من الشاه رضا بهلوي؟

و هكذا فالاسلام طريق افضل في تحقيق العزّة و الهوية القومية الصحيحة من
القومية نفسها، شريطة ان لا يطرح الاسلام بمفهوم قومي، و الا كانت النتيجة هي
النتيجة، و انما يطرح بكامل بعده العالمي الاصيل.


المساهمة في دحض المادية في المجتمع الاسلامي

ان القومية جزء من نسيج حضارة مادية و من الطبيعي ان ينعكس الاثر المادي
على الفكر القومي. و في العالم الاسلامي مرّت القومية بمرحلتين من الفكر
المادي،فقبل الحرب العالمية الثانية كانت القومية تتغذى من مادية الفكر الغربي
وبعد هذه الحرب تبنى القوميون الاشتراكية كمذهب اقتصادي لهم مستعينين في
ذلك بالتجربة الماركسية مما ادخل القومية في العالم الاسلامي مرحلة اكثر عمقاً في
الفكر المادي.

و من شواهد المادية في الفكر القومي في العالم الاسلامي قول الدكتور احمد
زكي ابو شادي:

ان العروبة و الكنانة ملتي‏ دين يوحده الوفي العابد

و كتب احد القوميين السوريين مقالاً جاء فيه:

«..الطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب و بناء المجتمع العربي هو خلق الانسان
الاشتراكي العربي الجديد الذي يؤمن ان الله و الاديان و الاقطاع و الرأسمال و
المتخمين و كل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست الا دمى محنطة في متاحف
التاريخ».[1]


(1). اعمدة النكبة / ص‏62.


|155|

يقول علي ناصر الدين: «القومية بالنسبة الينا نحن القوميين العرب دين له جنته
و ناره و لكن في هذه الدنيا»[1] و يقول عمر فاخوري: «لا ينهض العرب حتى تصبح
العربية أو المبدأ العربي ديناً يغارون عليه كما يغار المسلمون على القرآن الكريم و
المسيحيون على انجيل المسيح».[2]

و ما اصرار القوميين على طرح الجاهليات السابقة على الاسلام كمراحل معبّرة
عن قومياتهم، و تأكيدهم عليهاو قراءتهم للمرحلة الاسلامية من خلال ما تفصح
هذه الجاهليات عنه من هوية قومية سابقة، الا مظهراً يعبر بوضوح عن معانٍ
ماديةكافرة.

و كان من نتائج القومية في حياة المسلمين ان طبق القوميون افكارهم على
الاسلام و تسببوا في تحريف الفكر الاسلامي و من ابرز مظاهر هذا التحريف ربط
الاسلام بالعروبة على اساس الفكرة القومية القائلة بأن عقائد الامم و ثقافاتها
مظاهر قومية ناشئة من الخصائص التأريخية و الفكرية لتلك الامم. و في ضوء ذلك
يكون الاسلام مظهراً من مظاهر القومية العربية بل هو وليد آلام العروبة على حد
تعبير ميشيل عفلق.[3] و ليس وليداً للسماء، ذلك ان للأمة العربية رسالة خالدة تظهر
بأشكال مختلفة و متكاملة في مراحل التأريخ و كل هذه الاشكال مقدسة،
فالجاهلية هي رسالة الامة العربية في مرحلة ما قبل البعثة و بعد البعثة أصبح
الإسلام رسالتها، والآن رسالتها تتجسد في الفكرة القومية الاشتراكية حسب التصور
القومي الذي يعطي الجاهلية و الاسلام قيمة واحدة و يعتبر مشركي قريش
ضروريون لتحقق الاسلام‏ضرورة المؤمنين له. و الذين حاربوا الرسول ساهموا في
ظفر الاسلام كالذين ايدوه و نصروه.[4]


(1). المجتمع الاسلامي المعاصر/ص‏115.

(2). المصدر نفسه.

(3). المنهاج الثقافى المركزى لحزب البعث في العراق/ج‏2/ص‏16

(4). المصدر نفسه/ص‏36.


|156|

و خضع التأريخ الاسلامي لتأثير القومية و اصابه التشويه بسببها، فمن جهة ركّز
القوميون على اظهار صورة ايجابية لعصور ما قبل الاسلام و اثبات ان الامة العربية
و غيرها لم تتكون بالاسلام و انما تكونت في عصور جاهليتها. و من جهة ثانية
جهدوا في اعطاء تفسيرات قومية للتراث و حوادث التأريخ الاسلامي كالفتوحات
الاسلامية، و ساقهم المبدأ القومي الى مواقف متعسفة كامتداح العصر الاموي
بإعتباره عصر القومية العربية في الاسلام و اضطهاد المذهب الشيعي بأعتباره
مذهب الخارجين على ذلك العصر.

و واضح ان طرح البعد العالمي في الاسلام من شأنه ان يعيد الامة الى مسارها
الاصيل و ينقذها من القومية و آثارها التحريفية و جذورها المادية.


مواجهة العولمة و فضحها

العولمة مشروع امريكي يحاول الهيمنة على العالم من خلال التحكم بالمحاور
الرئيسية للحياة كالاقتصاد و التسليح و الثقافة و العلاقات الدولية، و من الطبيعي ان
تقع الدول النامية و الضعيفة كضحايا لمثل هذا المشروع الذي سبق للغربيين طرح
مثيل له و واجه اعتراضات شديدة، يقول عباس محمود العقاد: «كثرت بعد الحرب
العظمى دعوات الوطنية و كثرت بعدها كذلك دعوة اخرى تشكك في الوطنية و
تنزع الى توهينها و اضعاف شأنها و لا سيما في نفوس الشعوب الطامحة الى
الحرية، هذه الدعوة الاخرى هي دعوة الدولية او الاممية...و المشاهد في امر هذه
الدعوة انهالا تروج و لا تشتد الا من جانب الامم التي استوفت معالم الوطنية و
صنوفها و لا ينتظر من دخولها في الاتفاق الا ان تجور على الوطنيات الاخرى و
تحد من حريتها و مطامحها، فدعاة الامم اليوم هم ابناء الامم الغالبة التي تستفيد كل
شي‏ء من هذه الدعوة و لا تخسر شيئاً في سبيلها...».[1]


(1). ساعات بين الكتب/ص‏98.


|157|

و يقول انور الجندي في شأنها ايضاً: «و قد أستمدت هذه الدعوة و جودها من
منطق مغلوط و من منطلق استعماري في الاساس هو ما أطلق عليه اسم رسالة
الرجل الابيض الى العالم الملون و الهدف الكامن من وراء هذه الدعوة هو سوق
الناس جميعاً الى الولاء و العبودية للسيادة الغربية الحاضرة...»[1].

ثم ينقل عن هنريك رالف عن كتابه (الانسانية و الوطنية) يقول فيه: «ان النزعة
الانسانية يجب ان لا يعتنقها الا الامم القوية، اما الامم الضعيفة فإن لم تستمسك
بمقوماتها الخاصة سحقتها الامم القوية...».[2]

و هكذا فالعولمة و حكاية القرية العالمية الواحدة طبعة جديدة من مشروع قديم
فحواه ان‏ترفع القومية القوية لا فتة باسمة عنوانها الانسانية و العالمية و حقيقتها
الهيمنة و السيطرة على الامم الضعيفة التي ليس بإمكانها النجاة من مخالب هذا
المشروع ما لم تتمسك بأصالتها و هويتها.

و في مواجهة هذا المشروع يقدّم الاسلام للعالم الاسلامي اعلى درجات
الاصالة و اكثرها حيوية كما يقدم بعداً عالمياً حقيقياً من شأنه ان يفضح العالمية
الزائفة التي يتمسح بها اصحاب هذا المشروع و يكشف زيفهم و خديعتهم.


طرح مركزية المسلمين في العالم

إن المشاكل العديدة التي عانى منها المسلمون في تأريخهم الحديث لا يمكن
حلها إلّا بقيام الوحدة الإسلامية و ظهورهم كقوة عظمى تقف في وجه التحديات
الاستكبارية. و لا سبيل للوصول إلى هذه القوة إلّا بإتكاء المسلمين على النظرة
العالمية في الإسلام . تلك النظرة التي تذيب كافة الفوارق الاقليمية و القومية و
تجمعهم في إطار واحد، و إذا ما تحقق هذا الهدف فسيكوّن المسلمون القوة الأولى
في العالم، ذلك إن الموقع الستراتيجي و العامل السياسي و القدرات الاقتصادية و


(1). الاسلام و الدعوات الهدامة/ص‏158.

(2). المصدر نفسه/ص‏159.


|158|

البترولية و العامل البشري إضافة إلى قوة الايديولوجية الإسلامية عناصر فريدة
يختص بها المسلمون دون غيرهم. و إذا استندوا إليها فبإمكانهم التغلب على القوى
الأخرى التي لاتتفوق عليهم إلّا بالعامل التكنو لوجي الذي يمكن ابطال مفعوله من
خلال تلك العناصر، و مما لاشك فيه أن قضايا مصيرية من نوع القضية الفلسطينية و
قضية التبعية للغرب ستبقى مؤجلة إلى حين ظهور القوة الإسلامية العالمية التي تعيد
إلى المسلمين الثقة بأنفسهم و الهيبة المفقودة إليهم.

ان البعد العالمي للإسلام و الدولة الاسلامية من شأنه ان يسقط المركزية الغربية
في العالم و يبين عدوانيتها، و يشيد على انقاضها مركزية منطقية سلمية هي مركزية
الاسلام التي تعني من الناحية الانسانية مركزية المسلمين على الساحة الدولية، و
بالتالي يخرج المسلمون من دائرة الانكفاء و التقوقع الى دائرة الفعل الايجابي
المؤثر على الساحة الانسانية، و هذه قوّة لا يستهان بها عند الامم التي تفهم معنى
حياتها و لا تقبل بالتهميش و الذيلية.


المساعدة على نشر الاسلام

و طرح البعد العالمي للإسلام و الدولة الاسلامية من شأنه ايضاً المساعدة على
نشر الاسلام في العالم و تعبئة المسلمين من أجل هذه الوظيفة الاسلامية -
الانسانية المقدسة التي تساعد بدورها على تقوية الوجود الاسلامي على
الساحةالدولية.


الدولة العالمية قوة للجميع و ليست استنزافاً لأحد

هذه جملة ما يمكن تصوره بشأن العطاء المتنوع الواسع الذي يتاح للدولة
الاسلامية العالمية تقديمه الى الساحة الانسانية بنحو عام و الساحة الاسلامية
بنحوخاص.

و يجب ان يكون واضحاً ان الحديث عن الدولة العالمية في الاسلام لا يعني


|159|

بحال من الاحوال تحميل اقليم هذه الدولة اعباء مسؤوليات سياسية و اقتصادية و
عسكرية واسعة النطاق في دائرة العالم الاسلامي و الدائرة الدولية ككل و لا يعني
افساح المجال امام المسلمين في العالم للتزود من امكانات هذه الدولة، و لا يعني
صرف موارد و امكانات ذلك الاقليم في خارج حدوده و في مجالات لا تعنيه، و
انما يعني بالدرجة الاساس حذف المعنى الوطني و القومي المتعصب الذي يربي
الانسان على الولاء للتراب و الدم و يكسبه نظرة ضيقة تجعله انانياً يفكر في نفسه
فقط، و احلال المعنى الاسلامي المعنوي العالمي الرحيب الذي يربي الانسان على
الولاء للتوحيد و القيم التوحيدية في الحياة و يكسبه نظرة اخلاقية تجعله يفكر
بشكل تلقائي بالمحور الايماني و الجماعة الايمانية التي ينتمي اليها، من كان منها
داخل اقليمه و من كان منها خارج اقليمه، و يقدّم شيئاً من امكاناته الإقليمية لصالح
المحور الايماني و الجماعة الايمانية في خارج اقليمه، بحيث لا يتحول المعنى
الاقليمي إلى صنم، و يبقى في دائرة الحالة التنظيمية للحياة الاجتماعية و السياسية،
كما ينظّم الافراد و ضعهم المعيشي الخاص في اطار متصل بالجماعة التي تتولى
الدفاع عن افرادها في مختلف الميادين.

ان قوة الجماعة الايمانية تعني قوة افرادها و الاقاليم المنتمية اليها، و عندما
يساهم اقليم الدولة الاسلامية في تقوية الجماعة الاسلامية على الساحة الدولية انما
يساهم بتقوية نفسه، و يكسب موقعه الدولي عزّة و منعة حينما تهب هذه الجماعة
دفاعاً عنه في هذه القضية او تلك.

و العالم المعاصر ملي‏ء بالشواهد على دور الاتباع فى حماية و تصعيد نواة دولية
يؤمنون بها، فالاحزاب الشيوعية في العالم هي التي جعلت من الاتحاد السوفيتي
في النصف الثاني من القرن العشرين دولة عظمى تناطح الغرب، و عندما أحسّت
امريكا بذلك و وجدت نفسها فاقدة لأساس فكري يتيح لها تأسيس احزاب عالمية
تؤيدها، طرحت في الخمسينات مشروع المساعدات الامريكية لدول العالم الثالث


|160|

لتكرس من خلاله وجودها على الساحة الدولية و تكسب عن طريقه اعواناً من
الدول و الحكومات القائمة فعلاً في العالم الثالث، و تصبح قادرة على ايصال من
تريد ايصاله الى الحكم و ابعاد من تريد ابعاده عنه.

و قد حارب الغرب بشدة الثورة الاسلامية حينما احسّ‏بقوة انصارها في
الخارج، و بخطورة بعدها العالمي عليه، فشنّ عليها من خلال صدام حسين حرباً
لمدة ثماني سنوات بغية استنزاف طاقاتها و امكاناتها و معنوياتها الثورية على مقربة
من حدودها، و لقد سئل رئيس فرنسا السابق فرانسوا ميتران ابان حرب الخليج
الفارسي الثانية عما اذا كان نادماً على دعم فرنسا السابق لصدام حسين في حرب
الخليج الفارسي الاولى فاجاب بالنفي قائلاً: «لولا دعمنا لصدام لكانت الثورة
الاسلامية على مشارف فرنسا».

و من المؤكدان اي اقليم اسلامي يتحرك على اساس الاسلام يجد نفسه في قوة
و منعة اكبر مما لو يتحرك على اساس الوطنية او القومية، و المقارنة بين ايران الشاه
و ايران الاسلام توضح ذلك.

و هذا ما يجعلنا نكتشف سر اصرار المستشرقين على انكار عالمية الاسلام رغم
وضوحها الى حد البداهة.

فاذا كان الغرب القومي يتهالك الى هذا الحد من اجل دعم موقعه المركزي على
الساحة الدولية، افليس العالم الاسلامي الذي يؤمن بعالمية الاسلام و لا يؤمن
بالقومية اولى بطرح موقعه المركزي المشروع على الساحة الدولية؟

تعداد نمایش : 4666 <<بازگشت
آموزش

سامانه آموزش

پژوهش

سامانه پژوهش

کتابخانه

کتابخانه دیجیتال

نشریه

فصلنامه حکومت اسلامی